قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، حدثنا عوف، حدثني قسامة بن زهير، عن أبي موسى، عن النبي
قال:
« إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك ».
ورواه أيضًا، عن هوذة، عن عوف، عن قسامة بن زهير، سمعت الأشعري قال: قال رسول الله
: « إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، وبين ذلك ».
وكذا رواه أبو داود، والترمذي، وابن حبان في (صحيحه)، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن قسامة بن زهير المازني البصري، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، عن النبي
بنحوه. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد ذكر السدي، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله
قالوا:
« فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني، فرجع ولم يأخذ.
وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع.
فقال كما قال جبريل، فبعث ملك الموت، فعاذت منه.
فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع، ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء، وحمراء، وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به فبلَّ التراب حتى عاد طينًا لازبًا ». واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض.
ثم قال للملائكة: { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }
[ص: 71-72] . فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشرًا فكان جسدًا من طين أربعين سنة، من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعًا إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار، يكون له صلصلة فلذلك حين يقول:{ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } ويقول لأمر ما خلقت، ودخل من فيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكته.
فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه من الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة: قل الحمد لله.
فقال: الحمد لله.
فقال له الله: رحمك ربك.
فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ }
[الأنبياء: 37] .{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }
[الحجر: 30-31] ، وذكر تمام القصة.ولبعض هذا السياق شاهد من الأحاديث، وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات.
فقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي
قال:
« لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق لا يتمالك ».
وقال ابن حبان في (صحيحه): حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن رسول الله
قال:
{ لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ».
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا حبان بن حلال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن حبيب، عن حفص هو ابن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبي هريرة رفعه قال:
« لما خلق الله آدم عطس، فقال: الحمد لله، فقال له ربه: رحمك ربك يا آدم ». وهذا الإسناد لا بأس به، ولم يخرجوه.
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته. رواه ابن عساكر.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا عمرو بن محمد، عن إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله
قال:
« إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينًا ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه الله، وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالًا كالفخار.
قال: فكان إبليس يمر به، فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم.
ثم نفخ الله فيه من روحه، فكان أول ما جرى فيه الروح: بصره وخياشيمه، فعطس، فلقاه الله رحمة ربه، فقال الله: يرحمك ربك.
ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم: فانظر ماذا يقولون؟
فجاء فسلم عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.
قال: يا رب وما ذريتي؟
قال: اختر يدي يا آدم.
قال: أختار يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين، وبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، فإذا رجل يعجب آدم نوره.
قال: يا رب من هذا؟
قال: ابنك داود.
قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟
قال: جعلت له ستين.
قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك، فلما نفد عمر آدم بعث الله ملك الموت فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟
قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟
فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي، فنسيت ذريته ».
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، والنسائي في (اليوم والليلة) من حديث صفوان بن عيسى، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي
.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وقال النسائي: هذا حديث منكر، وقد رواه محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبد الله بن سلام.
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
:
« لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم.
فقال: أي رب من هؤلاء؟
قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه.
فقال: أي رب من هذا؟
قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود.
قال: رب وكم جعلت عمره؟
قال: ستين سنة.
قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟
قال: أولم تعطها ابنك داود.
قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته ». ثم قال الترمذي: حسن صحيح.
وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي
.
ورواه الحاكم في (مستدركه) من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره وفيه:
« ثم عرضهم على آدم، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، وإذا فيهم الأجذم، والأبرص، والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي ».
ثم ذكر قصة داود. وستأتي من رواية ابن عباس أيضًا.
وقال الإمام أحمد في (مسنده): حدثنا الهيثم بن خارجة، حدثنا أبو الربيع، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء، عن النبي
قال:
« خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي ».
وقال ابن أبي الدينا: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا الحكم بن سنان، عن حوشب، عن الحسن قال:
« خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض منهم الأعمى، والأصم، والمبتلى، فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أشكر ».
وهكذا روى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن بنحوه.
وقد رواه أبو حاتم، وابن حبان في (صحيحه) فقال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن، سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
:
« لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فسلم عليهم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله. ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم. وقال الله ويداه مقبوضتان: اختر أيهما شئت، فقال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ثم بسطهما، فإذا فيهما آدم وذريته فقال: أي رب ما هؤلاء؟
قال: هؤلاء ذريتك، وإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه، وإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم، لم يكتب له إلا أربعون سنة قال: يا رب ما هذا؟
قال: هذا ابنك داود وقد كتب الله عمره أربعين سنة.
قال: أي رب زد في عمره.
فقال: ذاك الذي كتب له.
قال: فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة.
قال: أنت وذاك.
اسكن الجنة، فسكن الجنة ما شاء الله، ثم هبط منها، وكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم: قد عجلت قد كتب لي ألف سنة قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة، فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود ». هذا لفظه.
وقد قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي
قال:
« خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، واستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك.
فقال: السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ».
وهكذا رواه البخاري في كتاب الاستئذان عن يحيى بن جعفر، ومسلم عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله
قال:
« كان طول آدم ستين ذراعًا في سبع أذرع عرضًا » انفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال:
لما نزلت آية الدين، قال رسول الله
:
« إن أول من جحد آدم، إن أول من جحد آدم، إن أول من جحد آدم، إن الله لما خلق آدم ومسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذاري إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلًا يزهر.
قال: أي رب من هذا؟
قال: هذا ابنك داود.
قال: أي رب كم عمره؟
قال: ستون عامًا.
قال: أي رب زد في عمره.
قال: لا إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام، فزاده أربعين عامًا، فكتب الله عليه بذلك كتابًا، وأشهد عليه الملائكة.
فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عامًا، فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود.
قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب، وشهدت عليه الملائكة ».
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله
:
« إن أول من جحد آدم، قالها ثلاث مرات، إن الله عز وجل لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم عليه، فرأى فيهم رجلًا يزهر.
فقال: أي رب زد في عمره.
قال: لا إلا أن تزيده أنت من عمرك، فزاده أربعين سنة من عمره، فكتب الله تعالى عليه كتابًا، وأشهد عليه الملائكة، فلما أراد أن يقبض روحه قال: إنه بقي من أجلي أربعون سنة.
فقيل له: إنك قد جعلتها لابنك داود.
قال: فجحد، قال: فأخرج الله الكتاب، وأقام عليه البينة، فأتمها لداود مائة سنة، وأتم لآدم عمره ألف سنة ».
تفرد به أحمد، وعلي بن زيد في حديثه نكارة.
ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس وغير واحد، عن الحسن قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله
:
« إن أول من جحد آدم » ثلاثًا؛ وذكره.
وقال الإمام مالك بن أنس في موطئه: عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره، عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } الآية
[الأعراف: 172] .فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله
يسأل عنها فقال:
« إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون.
ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون.
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
قال رسول الله
: إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل به الجنة. وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخل به النار ».
وهكذا رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو حاتم بن حبان في (صحيحه)، من طرق عن الإمام مالك به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. ومسلم بن يسارلم يسمع عمر.
وكذا قال أبو حاتم، وأبو زرعة، زاد أبو حاتم وبينهما نعيم بن ربيعة.
وقد رواه أبو داود عن محمد بن مصفى، عن بقية عن عمر بن جثعم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة قال:
كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية، فذكر الحديث.
قال الحافظ الدارقطني: وقد تابع عمر بن جثعم أبو فروة بن يزيد بن سنان الرهاوي، عن زيد بن أبي أنيسة قال: وقولهما أولى بالصواب من قول مالك رحمه الله.
وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين، وأهل الشمال.
وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي.
فأما الإشهاد عليهم، واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية، فلم يجئ في الأحاديث الثابتة.
وتفسير الآية التي في سورة الأعراف وحملها على هذا فيه نظر كما بيناه هناك. وذكرنا الأحاديث والآثار مستقصاة بأسانيدها، وألفاظ متونها فمن أراد تحريره، فليراجعه ثم، والله أعلم.
فأما الحديث الذي رواه أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير يعني ابن حازم، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي
قال:
« إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذراها، فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلًا، قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا.. } إلى قوله { الْمُبْطِلُونَ }
[الأعراف: 172-173] ».فهو بإسناد جيد قوي على شرط مسلم.
رواه النسائي، وابن جرير، والحاكم في (مستدركه)، من حديث حسين بن محمد المروزي به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. إلا أنه اختلف فيه على كلثوم بن جبر فروى عنه مرفوعًا، وموقوفًا.
وكذا روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا.
وهكذا رواه العوفي، والوالبي، والضحاك، وأبو جمرة، عن ابن عباس قوله، وهذا أكثر وأثبت، والله أعلم.
وهكذا روي عن عبد الله بن عمر، موقوفًا، ومرفوعًا. والموقوف أصح.
واستأنس القائلون بهذا القول، وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور بما قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثني شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، عن النبي
قال:
« يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟
قال: فيقول نعم.
فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك بي ».
أخرجاه من حديث شعبة به.
وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، في قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }
[الأعراف: 172] الآية، والتي بعدها، قال: فجمعهم له يومئذ جميعًا ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم، ثم صورهم، ثم استنطقهم، فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم، { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } الآية.قال فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأرضين السبع، أشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا.
اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئًا، وإني سأرسل إليكم رسلًا، ينذرونكم عهدي، وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
قالوا نشهد أنك ربنا، وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا له يومئذ بالطاعة، ورفع أباهم آدم، فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني، والفقير، وحسن الصورة، ودون ذلك.
فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟ فقال: إني أحببت أن أشكر.
ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج، عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة، والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }
[الأحزاب: 7] .وهو الذي يقول: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }
[الروم: 30] .وفي ذلك قال: { هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى }
[النجم: 56] .وفي ذلك قال: { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }
[الأعراف: 102] .رواه الأئمة عبد الله بن أحمد، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، في تفاسيرهم، من طريق أبي جعفر.
وروي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وقتادة، والسدي، وغير واحد من علماء السلف، بسياقات توافق هذه الأحاديث.
وتقدم أنه تعالى، لما أمر الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له، حسدًا وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية، ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض، طريدًا ملعونًا شيطانًا رجيمًا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ويعلى، ومحمد ابنا عبيد، قالوا: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله
:
« إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت، فلي النار ». ورواه مسلم من حديث وكيع، وأبي معاوية، عن الأعمش به.
ثم لما أسكن آدم الجنة التي أسكنها، سواء كانت في السماء، أو في الأرض، على ما تقدم من الخلاف فيه، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغدًا حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة، التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس، وأهبطا إلى الأرض.
وقد ذكرنا الاختلاف في مواضع هبوطه منها. واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة فقيل: بعض يوم من أيام الدنيا.
وقد قدمنا ما رواه مسلم، عن أبي هريرة مرفوعًا.
وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة. وتقدم أيضًا حديثه عنه. وفيه يعني يوم الجمعة خلق آدم، وفيه أخرج منها، فإن كان اليوم الذي خلق فيه، فيه أخرج.
وقلنا: إن الأيام الستة كهذه الأيام، فقد لبث بعض يوم من هذه، وفي هذا نظر. وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه.
أو قلنا: بأن تلك الأيام مقدارها ستة آلاف سنة، كما تقدم عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، واختاره ابن جرير. فقد لبث هناك مدة طويلة.
قال ابن جرير: ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة، والساعة منه: ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فمكث مصورًا طينًا قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة. وأقام في الجنة قبل أن يهبط ثلاثًا وأربعين سنة وأربعة أشهر، والله تعالى أعلم.
وقد روى عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن سوار، خبر عطاء بن أبي رباح، أنه كان لما أهبط رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، فحطه الله إلى ستين ذراعًا.
وقد روي عن ابن عباس نحوه.
وفي هذا نظر لما تقدم من الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة، أن رسول الله
قال:
« إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ».
وهذا يقتضي أنه خلق كذلك لا أطول من ستين ذراعًا، وأن ذريته لم يزالوا يتناقص خلقهم حتى الآن.
وذكر ابن جرير، عن ابن عباس، إن الله قال:
يا آدم إن لي حرمًا بحيال عرشي فانطلق فابن لي فيه بيتًا، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي.
وأرسل الله له ملكًا فعرفه مكانه، وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم، صارت قرية بعد ذلك.
وعنه: أن أو طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة.
فقال: ما هذا؟
قال: هذا من الشجرة التي نهيت عنها، فأكلت منها.
فقال: وما أصنع بهذا؟
قال: ابذره في الأرض فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت، فحصده، ثم درسه، ثم ذراه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم، وتعب، ونكد. وذلك قوله تعالى: { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }
[طه: 117] .وكان أول كسوتهما: من شعر الضأن، جزَّاه، ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعًا، وخمارًا.
واختلفوا: هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد؟ فقيل: لم يولد لهما إلا في الأرض.
وقيل: بل ولد لهما فيها، فكان قابيل، وأخته، ممن ولد بها. والله أعلم.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر، وأنثى. وأمر أن يزوج كل ابن، أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى، وهلم جرا. ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.