بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (1)
(كهيعص) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
هذا ذِكْر رحمة ربك عبده زكريا, سنقصه عليك, فإن في ذلك عبرة للمعتبرين.
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)
إذ دعا ربه سرًا; ليكون أكمل وأتم إخلاصًا لله, وأرجى للإجابة.
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4)
قال: رب إني كَبِرْتُ, وضعف عظمي, وانتشر الشيب في رأسي, ولم أكن من قبل محرومًا من إجابة الدعاء.
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5)
وإني خفت أقاربي وعصبتي مِن بعد موتي أن لا يقوموا بدينك حق القيام, ولا يدعوا عبادك إليك, وكانت زوجتي عاقرًا لا تلد, فارزقني مِن عندك ولدًا وارثًا ومعينًا…
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)
يرث نبوَّتي ونبوة آل يعقوب, واجعل هذا الولد مرضيًا منك ومن عبادك.
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7)
يا زكريا إنَّا نبشرك بإجابة دعائك, قد وهبنا لك غلامًا اسمه يحيى, لم نُسَمِّ أحدًا قبله بهذا الاسم.
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (
قال زكريا متعجبًا: ربِّ كيف يكون لي غلام, وكانت امرأتي عاقرًا لا تلد, وأنا قد بلغت النهاية في الكبر ورقة العظم؟
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
قال المَلَك مجيبًا زكريا عمَّا تعجَّب منه: هكذا الأمر كما تقول مِن كون امرأتك عاقرًا, وبلوغك من الكبر عتيًا, ولكنَّ ربك قال: خَلْقُ يحيى على هذه الكيفية أمر سهل هيِّن عليَّ, ثم ذكر الله سبحانه لزكريا ما هو أعجب مما سأل عنه فقال: وقد خلقتك أنت من قبل يحيى, ولم تكُ شيئًا مذكورًا ولا موجودًا.
قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (10)
قال زكريا زيادة في اطمئنانه: ربِّ اجعل لي علامة على تحقُّق ما بَشَّرَتْني به الملائكة, قال: علامتك أن لا تقدر على كلام الناس مدة ثلاث ليال وأيامها, وأنت صحيح معافى.
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11)
فخرج زكريا على قومه مِن مصلاه, وهو المكان الذي بُشِّر فيه بالولد, فأشار إليهم: أن سَبِّحوا الله صباحًا ومساءً شكرًا له تعالى.
يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12)
فلما ولد يحيى، وبلغ مبلغًا يفهم فيه الخطاب، أمره اللَّه أن يأخذ التوراة بجدٍّ واجتهاد بقوله: يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد بحفظ ألفاظها, وفهم معانيها, والعمل بها, وأعطيناه الحكمة وحسن الفهم, وهو صغير السن.
وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13)
وآتيناه رحمة ومحبة من عندنا وطهارة من الذنوب, وكان خائفًا مطيعًا لله تعالى, مؤديًا فرائضه, مجتنبًا محارمه.
وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14)
وكان بارًّا بوالديه مطيعًا لهما, ولم يكن متكبرًا عن طاعة ربه, ولا عن طاعة والديه, ولا عاصيًا لربه, ولا لوالديه.
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)
وسلام من الله على يحيى وأمان له يوم وُلِد, ويوم يموت, ويوم يُبعث مِن قبره حيًا.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16)
واذكر – أيها الرسول – في هذا القرآن خبر مريم إذ تباعدت عن أهلها, فاتخذت لها مكانًا مما يلي الشرق عنهم.
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17)
فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس, فأرسلنا إليها الملَك جبريل, فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق.
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً (18)
قالت مريم له: إني أستجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت ممن يتقي الله.
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19)
قال لها المَلَك: إنما أنا رسول ربك بعثني إليك؛ لأهب لك غلامًا طاهرًا من الذنوب.
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20)
قالت مريم للمَلَك: كيف يكون لي غلام, ولم يمسسني بشر بنكاحٍ حلال, ولم أكُ زانية؟
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21)
قال لها المَلَك: هكذا الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر, ولم تكوني بَغِيًّا, ولكن ربك قال: الأمر عليَّ سهل; وليكون هذا الغلام علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى, ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس, وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابقًا مقدَّرًا, مسطورًا في اللوح المحفوظ, فلا بد مِن نفوذه.
فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22)
فحملت مريم بالغلام بعد أن نفخ جبريل في جَيْب قميصها, فوصلت النفخة إلى رَحِمِها, فوقع الحمل بسبب ذلك, فتباعدت به إلى مكان بعيد عن الناس.
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23)
فألجأها طَلْقُ الحمل إلى جذع النخلة فقالت: يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم, وكنت شيئًا لا يُعْرَف, ولا يُذْكَر, ولا يُدْرَى مَن أنا؟
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24)
فناداها جبريل أو عيسى: أن لا تَحزني, قد جعل ربك تحتك جَدْول ماء.
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25)
وحَرِّكي جذع النخلة تُسَاقِطْ عليك رطبًا غَضًّا جُنِيَ مِن ساعته.
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26)
فكلي من الرطب, واشربي من الماء وطيـبي نفسًا بالمولود, فإن رأيت من الناس أحدًا فسألك عن أمرك فقولي له: إني أَوْجَبْتُ على نفسي لله سكوتًا, فلن أكلم اليوم أحدًا من الناس. والسكوت كان تعبدًا في شرعهم, دون شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27)
فأتت مريم قومها تحمل مولودها من المكان البعيد, فلما رأوها كذلك قالوا لها: يا مريم لقد جئت أمرًا عظيمًا مفترى.
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28)
يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش, وما كانت أمك امرأة سوء تأتي البِغاء.
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29)
فأشارت مريم إلى مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه, فقالوا منكرين عليها: كيف نكلم مَن لا يزال في مهده طفلا رضيعًا؟
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30)
قال عيسى وهو في مهده يرضع: إني عبد الله, قضى بإعطائي الكتاب, وهو الإنجيل, وجعلني نبيًا.
وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31)
وجعلني عظيم الخير والنفع حيثما وُجِدْتُ, وأوصاني بالمحافظة على الصلاة وإيتاء الزكاة ما بقيت حيًا.
وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32)
وجعلني بارًّا بوالدتي, ولم يجعلني متكبرًا ولا شقيًا, عاصيًا لربي.
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33)
والسلامة والأمان عليَّ من الله يوم وُلِدْتُ, ويوم أموت, ويوم أُبعث حيًا يوم القيامة.
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
ذلك الذي قصصنا عليك – أيها الرسول – صفتَه وخبرَه هو عيسى ابن مريم, مِن غير شك ولا مرية, بل هو قولُ الحق الذي شك فيه اليهود والنصارى.
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)
ما كان لله تعالى ولا يليق به أن يتخذ مِن عباده وخَلْقه ولدًا, تنزَّه وتقدَّس عن ذلك, إذا قضى أمرًا من الأمور وأراده, صغيرًا أو كبيرًا, لم يمتنع عليه, وإنما يقول له: “كن”, فيكون كما شاءه وأراده.
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
وقال عيسى لقومه: وإن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه وحده لا شريك له, فأنا وأنتم سواء في العبودية والخضوع له، هذا هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه.
فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
فاختلفت الفِرَق من أهل الكتاب فيما بينهم في أمر عيسى عليه السلام, فمنهم غال فيه وهم النصارى, فمنهم من قال: هو الله, ومنهم من قال: هو ابن الله, ومنهم من قال: ثالث ثلاثة – تعالى الله عما يقولون -، ومنهم جافٍ عنه وهم اليهود, قالوا: ساحر, وقالوا: ابن يوسف النجار, فهلاك للذين كفروا مِن شهود يوم عظيم الهول, وهو يوم القيامة.
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
ما أشدَّ سمعَهم وبصرهم يوم القيامة, يوم يَقْدُمون على الله, حين لا ينفعهم ذلك!! لكنِ الظالمون اليوم في هذه الدنيا في ذهابٍ بيِّنٍ عن الحق.
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39)
وأنذر – أيها الرسول – الناس يوم الندامة حين يُقضى الأمر, ويُجَاءُ بالموت كأنَّه كبش أملح, فيُذْبَح, ويُفصل بين الخلق, فيصير أهل الإيمان إلى الجنة, وأهل الكفر إلى النار, وهم اليوم في هذه الدنيا في غفلة عمَّا أُنذروا به, فهم لا يصدقون, ولا يعملون العمل الصالح.
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
إنا نحن الوارثون للأرض ومَن عليها بفنائهم وبقائنا بعدهم وحُكْمنا فيهم, وإلينا مصيرهم وحسابهم, فنجازيهم على أعمالهم.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً (41)
واذكر – أيها الرسول – لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم – عليه السلام – إنه كان عظيم الصدق, ومِن أرفع أنبياء الله تعالى منزلة.
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)
إذ قال لأبيه آزر: يا أبت لأي شيء تعبد من الأصنام ما لا يسمع ولا يبصر, ولا يدفع عنك شيئًا من دون الله؟
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43)
يا أبت, إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك, فاقبل مني, واتبعني إلى ما أدعوك إليه, أرشدك إلى الطريق السوي الذي لا تضلُّ فيه.
يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44)
يا أبت, لا تطع الشيطان فتعبد هذه الأصنام; إن الشيطان كان للرحمن مخالفًا مستكبرًا عن طاعة الله.
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45)
يا أبت, إني أخاف أن تموت على كفرك, فيمَسَّك عذاب من الرحمن, فتكون للشيطان قرينًا في النار.
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً (46)
قال أبو إبراهيم لابنه: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن سَبِّها لأقتلنَّك رميًا بالحجارة, واذهب عني فلا تلقني, ولا تكلمني زمانًا طويلا من الدهر.
قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47)
قال إبراهيم لأبيه: سلام عليك مني فلا ينالك مني ما تكره, وسوف أدعو الله لك بالهداية والمغفرة. إن ربي كان رحيمًا رؤوفًا بحالي يجيبني إذا دعوته.
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً (48)
وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله, وأدعو ربي مخلصًا, عسى أن لا أشقى بدعاء ربي, فلا يعطيني ما أسأله.
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً (49)
فلما فارقهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله رزقناه من الولد: إسحاق, ويعقوب بن إسحاق, وجعلناهما نبيَّين.
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (50)
ووهبنا لهم جميعا من رحمتنا فضلا لا يحصى, وجعلنا لهم ذكرًا حسنًا, وثناءً جميلا باقيًا في الناس.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51)
واذكر – أيها الرسول – في القرآن قصة موسى – عليه السلام – إنه كان مصطفى مختارًا, وكان رسولا نبيًا مِن أولي العزم من الرسل.
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52)
ونادينا موسى من ناحية جبل طور “سيناء” اليمنى من موسى, وقرَّبناه فشرَّفناه بمناجاتنا له. وفي هذا إثبات صفة الكلام لله – تعالى – كما يليق بجلاله وكماله.
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53)
ووهبنا لموسى من رحمتنا أخاه هارون نبيًا يؤيده ويؤازره.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54)
واذكر – أيها الرسول – في هذا القرآن خبر إسماعيل عليه السلام, إنه كان صادقًا في وعده فلم يَعِد شيئًا إلا وفَّى به, وكان رسولا نبيًا.
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55)
وكان يأمر أهله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وكان عند ربه عز وجل مرضيًا عنه.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً (56)
واذكر – أيها الرسول – في هذا القرآن خبر إدريس عليه السلام, إنه كان عظيم الصدق في قوله وعمله, نبيًا يوحى إليه.
وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً (57)
ورفَعْنا ذِكْره في العالمين, ومنزلته بين المقربين, فكان عالي الذكر, عالي المنزلة.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ۩(58)
هؤلاء الذين قصصتُ عليك خبرهم أيها الرسول, هم الذين أنعم الله عليهم بفضله وتوفيقه, فجعلهم أنبياء من ذرية آدم, ومِن ذرية مَن حملنا مع نوح في السفينة, ومن ذرية إبراهيم, ومن ذرية يعقوب, وممَّن هدينا للإيمان واصطفينا للرسالة والنبُوَّة, إذا تتلى عليهم آيات الرحمن المتضمنة لتوحيده وحججه خرُّوا ساجدين لله خضوعًا, واستكانة, وبكَوْا من خشيته سبحانه وتعالى.
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)
فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها, أو فوتوا وقتها, أو تركوا أركانها وواجباتها, واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها, فسوف يلقون شرًا وضلالا وخيبة في جهنم.
إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60)
لكن مَن تاب منهم مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالحًا تصديقًا لتوبته, فأولئك يقبل الله توبتهم, ويدخلون الجنة مع المؤمنين ولا يُنقَصون شيئًا من أعمالهم الصالحة.
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (61)
جنات خلد وإقامة دائمة, وهي التي وعد الرحمن بها عباده بالغيب فآمَنوا بها ولم يروها, إن وعد الله لعباده بهذه الجنة آتٍ لا محالة.
لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (62)
لا يسمع أهل الجنة فيها كلامًا باطلا لكن يسمعون سلاما تحية لهم, ولهم رزقهم فيها من الطعام والشراب دائمًا, كلما شاؤوا بكرة وعشيًا.
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63)
تلك الجنة الموصوفة بتلك الصفات, هي التي نورثها ونعطيها عبادنا المتقين لنا, بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا.
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً (64)
وقل – يا جبريل – لمحمد: وما نتنزل – نحن الملائكة – من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا, له ما بين أيدينا مما يستقبل من أمر الآخرة, وما خلفنا مما مضى من الدنيا, وما بين الدنيا والآخرة, فله الأمر كله في الزمان والمكان, وما كان ربك ناسيًا لشيء من الأشياء.
رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65)
فهو الله رب السموات والأرض وما بينهما, ومالك ذلك كله وخالقه ومدبره, فاعبده وحده – أيها النبي – واصبر على طاعته أنت ومَن تبعك, ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً (66)
ويقول الإنسان الكافر منكرًا للبعث بعد الموت: أإذا ما مِتُّ وفَنِيتُ لسوف أُخرَج من قبري حيًا؟!
أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67)
كيف نسي هذا الإنسان الكافر نفسه؟ أولا يَذْكُر أنا خلقناه أول مرة, ولم يكُ شيئًا موجودًا؟
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً (68)
فوربك – أيها الرسول – لنجمعن هؤلاء المنكرين للبعث يوم القيامة مع الشياطين, ثم لنأتين بهم أجمعين حول جهنم باركين على رُكَبهم; لشدة ما هم فيه من الهول, لا يقدرون على القيام.
ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً (69)
ثم لنأخذنَّ مِن كل طائفة أشدَّهم تمردًا وعصيانًا لله, فنبدأ بعذابهم.
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً (70)
ثم لنحن أعلم بالذين هم أَوْلى بدخول النار ومقاساة حرها.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71)
وما منكم – أيها الناس – أحد إلا وارد النار بالمرور على الصراط المنصوب على متن جهنم, كل بحسب عمله, كان ذلك أمرًا محتومًا, قضى الله – سبحانه – وحكم أنه لا بد من وقوعه لا محالة.
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً (72)
ثم ننجي الذين اتقوا ربهم بطاعته والبعد عن معصيته, ونترك الظالمين لأنفسهم بالكفر بالله في النار باركين على رُكَبهم.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً (73)
وإذا تتلى على الناس آياتنا المنزلات الواضحات قال الكفار بالله للمؤمنين به: أيُّ الفريقين منَّا ومنكم أفضل منزلا وأحسن مجلسًا؟
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً (74)
وكثيرًا أهلكنا قبل كفار قومك – أيها الرسول – من الأمم كانوا أحسن متاعًا منهم وأجمل منظرًا.
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75)
قل – أيها الرسول – لهم: من كان ضالا عن الحق غير متبع طريق الهدى, فالله يمهله ويملي له في ضلاله, حتى إذا رأى – يقينا – ما توعَّده الله به: إما العذاب العاجل في الدنيا, وإما قيام الساعة, فسيعلم – حينئذ – مَن هو شر مكانًا ومستقرًا, وأضعف قوة وجندًا.
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76)
ويزيد الله عباده الذين اهتدوا لدينه هدى على هداهم بما يتجدد لهم من الإيمان بفرائض الله, والعمل بها. والأعمالُ الباقيات الصالحات خير ثوابًا عند الله في الآخرة, وخير مرجعًا وعاقبة.
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77)
أعَلِمْت – أيها الرسول – وعجبت من هذا الكافر “العاص بن وائل” وأمثاله؟ إذ كفر بآيات الله وكذَّب بها وقال: لأعطينَّ في الآخرة أموالا وأولادًا.
أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78)
أطَّلَع الغيب, فرأى أن له مالا وولدًا, أم له عند الله عهد بذلك؟
كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79)
ليس الأمر كما يزعم ذلك الكافر, فلا علم له ولا عهد عنده, سنكتب ما يقول مِن كذب وافتراء على الله, ونزيده في الآخرة من أنواع العقوبات, كما ازداد من الغيِّ والضلال.
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80)
ونرثه مالَه وولده, ويأتينا يوم القيامة فردًا وحده, لا مال معه ولا ولد.
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81)
واتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله; لتنصرهم, ويعتزوا بها.
كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً (82)
ليس الأمر كما يزعمون, لن تكون لهم الآلهة عزًا, بل ستكفر هذه الآلهة في الآخرة بعبادتهم لها, وتكون عليهم أعوانًا في خصومتهم وتكذيبهم بخلاف ما ظنوه فيها.
أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً (83)
ألم تر – أيها الرسول – أنَّا سلَّطْنا الشياطين على الكافرين بالله ورسله; لتغويهم, وتدفعهم عن الطاعة إلى المعصية؟
فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً (84)
فلا تستعجل – أيها الرسول – بطلب العذاب على هؤلاء الكافرين, إنما نحصي أعمارهم وأعمالهم إحصاءً لا تفريط فيه ولا تأخير.
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً (86)
يوم نجمع المتقين إلى ربهم الرحيم بهم وفودًا مكرمين. ونسوق الكافرين بالله سوقًا شديدًا إلى النار مشاة عِطاشًا.
لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (87)
لا يملك هؤلاء الكفار الشفاعة لأحد, إنما يملكها مَنِ اتخذ عند الرحمن عهدًا بذلك, وهم المؤمنون بالله ورسله.
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88)
وقال هؤلاء الكفار: اتخذ الرحمن ولدًا.
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89)
لقد جئتم – أيها القائلون – بهذه المقالة شيئا عظيمًا منكرًا.
تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91)
تكاد السموات يتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول, وتتصدع الأرض, وتسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا لله لِنِسْبَتِهم له الولد. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
وما يصلح للرحمن, ولا يليق بعظمته, أن يتخذ ولدًا; لأن اتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة, والله هو الغني الحميد المبرأ عن كل النقائص.
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93)
ما كل مَن في السموات من الملائكة, ومَن في الأرض من الإنس والجن, إلا سيأتي ربه يوم القيامة عبدًا ذليلا خاضعًا مقرًا له بالعبودية.
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94)
لقد أحصى الله سبحانه وتعالى خَلْقَه كلهم, وعلم عددهم, فلا يخفى عليه أحد منهم.
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)
وسوف يأتي كل فرد من الخلق ربه يوم القيامة وحده, لا مال له ولا ولد معه.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)
إن الذين آمنوا بالله واتَّبَعوا رسله وعملوا الصالحات وَفْق شرعه, سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده.
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97)
فإنما يسَّرنا هذا القرآن بلسانك العربي أيها الرسول؛ لتبشر به المتقين من أتباعك, وتخوِّف به المكذبين شديدي الخصومة بالباطل.
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)
وكثيرًا أهلكنا – أيها الرسول – من الأمم السابقة قبل قومك, ما ترى منهم أحدًا وما تسمع لهم صوتًا, فكذلك الكفار من قومك, نهلكهم كما أهلكنا السابقين من قبلهم. وفي هذا تهديد ووعيد بإهلاك المكذبين المعاندين.